تربية وتعليم | كيف نجعل الموسم الدّراسيّ الجديد ناجحًا ومتميزًا؟

You are currently viewing تربية وتعليم | كيف نجعل الموسم الدّراسيّ الجديد ناجحًا ومتميزًا؟

هذه عشر نصائح، لعلّها تصلح لمسؤولي التّعليم وأصحاب رسالته، من أجل اغتنام هذه الفرصة المتجدِّدة لتحقيق إضافة نوعيّة على مستوى ظروف التعليم ومخرجاته.

وليست هذه العناصر هي كل ما يمكن تقديمه من نصائح، ففي مجال التعليم، ولا حدود للابتكارات التعليمية، لأن التعليم يساير حركة الإنسان كما يساير الظل الكائن المتحرك، وكما يتحرك ظل الكائن الثابت وهو يساير حركة الشمس.

❶ النّصيحة الأولى: الرؤية

الرؤية التعليميّة الخاصة بمؤسستكم تعدّ من الضرورات. وهي بمثابة الميثاق الذي يحتوي نظرتكم البعيدة، ومنها تنبثق أهداف المشروع التعليمي الذي تقوم عليه مؤسستكم أو مركزكم، وفيها الخطوط العامة التي هي قواسم مشتركة بين جميع العاملين في المؤسسة من إطار إداري وتعليمي.  

الرؤية التعليمية خاصة بمؤسستكم لأنها مُعدة لأجل السياق المحلي الذي يرتبط بالسياق القطري والإقليمي والسياق العالمي والزمن الذي نعيش فيه وطبيعة الأفكار والاتجاهات السائدة. ولا تتغير الرؤية إلا عند حدوث تغييرات جذرية في السياقات المتعددة والاتجاهات السائدة. 

ويمكن أن تتضمن الرؤية التعليمية ملاحق فيها تذكير بمؤسسي ذلك المحضن التعليمي وقدماء المشرفين عليه والمعلّمين ومن تميّز من خرّيجيه. كما يمكن أن يلحق به قانون المؤسسة الداخلي ووثائق التأسيس، ويكون كل ذلك على ذمة الإطار المشرف والإطار الإداري والإطار التعليمي والأولياء والمتعلّمون الكهول. 

وتكمن أهمية الرؤية التعليمية في حاجة المؤسسة أن تعود إليها في المراحل الحرجة من حياة المؤسسة التعليمية، وعند الانتداب، وتقديم المشروع للغير، والبحث عن مصادر وموارد للمؤسسة، وغير ذلك من الاحتياجات. وهي من صميم مسؤولية المشرفين على التعليم.

❷ النّصيحة الثانية: حسن الاستعداد للموسم الدراسي.

الموسم الدراسي الجديد يتطلب استعداداً، بناءً على تقييم موضوعي لأداء الموسم المنقضي، ولذلك يجدر بمسؤولي المؤسسات التعليمية إجراء إحصاء موضوعي دقيق للمخرجات في الموسم المنقضي. ويشمل ذلك الإلمام بالتلاميذ وأحوالهم ونتائجهم وإحصائيات الأحداث المهمة وعدد الساعات وتطور أعداد المتعلّمين والمعلّمين وعلامات المتعلمين، والخرجات المدرسية والأنشطة والإبداعات التلمذية والتعليمية، فذلك من باب إحصاء الحصاد السابق ويشحذ الهمم للحصاد اللاحق.

❸ النصيحة الثالثة: إنجاح العلاقة بالأولياء.

إنّ الوليّ يضع فلذة كبده بين يدي المؤسسة التعليمية والمعلمين، وهو حريص أشدّ ما يكون الحرص أن يتعلم طفله في أفضل الظروف الممكنة. ويقتضي هذا أن يكون الاستقبال على قدر عال من الاحترافية، وأن يتم ذلك من طرف المسؤول الأول أو من ينوبه، وأن يتم الاستقبال في حال من الابتسامة والبهجة من دون تصنّع، مع الإقبال والبشاشة والمرح بلا مبالغة أو تزهّد، وأن يستمع المسؤول أكثر مما يتكلّم، وأن يوزع على المسترشدين الرّؤية التعليمية وحصاد السنة المنقضية، وأن يبدّد مخاوفهم وشكوكهم وهمومهم حول مستقبل أولادهم، وذلك بمعلومات موضوعية متوفرة وأجوبة واضحة يتم الاستعداد إليها بشكل مسبق، وأن يكون الأداء اللغوي مع الأولياء بالفصيح من الكلام، بصرف النظر عن اللغة المستخدمة، وأن تكون هيأة المؤسسة في أبهى شكل وأليق صورة، وأن يكون هناك استقبال فردي واستقبال جماعي بحضور المعلّمين إن أمكن.

❹ النصيحة الرابعة: فنّ استقبال المتعلمين.

المتعلّمون هم محور الاهتمام الرّئيس بلا منازع، لأنهم يقضون أطول الأوقات في التعليم، وهم رفقاء الطريق في الموسم الدراسي ومحطّ كلّ الجهود المبذولة. والنصائح السابقة تجد معناها الحقيقي وصداها العملي في جودة استقبال المتعلّمين خاصّة. وسواء كان المتعلّمون أطفالا أم كهولاً، فإنّ القائمين على الاستقبال في الْيَوْم الأول أو الفترة الافتتاحية ينبغي أن يكونوا على مقدار احترافي عال، من أجل جعل الأطفال يشعرون بالانتماء للمؤسسة التعليمية وأنهم في بيئة تمدرس توفّر لهم الأريحية وتطرد من مشاعرهم الإحساس السلبي والرهاب من المدرسة والخوف من الزملاء والإطار المدرّس، كما تفهمهم بطريقة ذكيّة أنّ هذا المكان يسود فيه جوّ من الاحترام والجدّية والحزم بقدر ما يسود فيه جوّ الودّ والإنصات والتفهّم، وهنا يكون الأمر وسط بين اللين والشدّة، لين في غير ضعف وشدّة في غير عنف، خصوصا في هذا الزّمان المتصف بالتسيّب والانحلال وفقدان السيطرة والتمرّد.

❺ النصيحة الخامسة: المعلمون.

المعلّمون ليسوا موظّفين، هم أصحاب رسالة. ولا ينبغي النظر إلى التعليم بوصفه “مهنة”، فالمهنة أصلها الشيء الممتهن الذي لم يكن السيد يقوم به بل يوكل للعبد، بينما التعليم هو رسالة، وفي الأصل اللغوي (علّم) دلالتها جاءت من الوسم الذي كانت العرب تعلّم به الدواب لكي لا تختلط بغيرها، ومن هنا يُستفاد أنّ أثر التعليم نهائي ومحدد في تطور الأفراد والجماعات، وأن العناية بالمعلم تستوجب : معاملته بكل تقدير وإجلال واحترام، وتوفير الإمكانيات التعليمية الكافية لكي يقوم بمهمته على أكمل وجه، وتنظيم دورات تدريبية طوال السنة الدراسية لأنّ التدريب حقّ وواجب، ولا تترك مؤسسة تعليمية التدريب والتأهيل لمعلميها إلا انزلقت رويداً رويداً في مسلك الانكماش والضمور وإعادة إنتاج الرداءة.

❻ النصيحة السادسة: التعاون.

العمل الجماعي بين المدرّسين ليس خياراً، هو المسار الوحيد الممكن نحو النجاح. عدد من المعلّمين والأساتذة يختارون العمل الفردي المنكفئ على الذات ظنا منهم أن ذلك هو أقوم مسلك لراحة البال والتصرف بحرية في الفصل وخارجه، بعيدا عن ضغط المجموعة وانتقادات الزملاء والإدارة. ويسبب هذا السلوك فوات فرصة نادرة للتطوّر والتطوير ونقل الخبرة والعمل مع الآخرين من أجل تحسين الأداء. وكم من معلّم يقضي السنوات تلو السنوات يكرّر الأخطاء ذاتها ولا ينتبه، بسبب انعدام العمل الجماعي ونقل الخبرة البيني.

❼ النصيحة السابعة: الدرس.

إعداد الدّرس في المنزل واجب. عدد من المعلّمين قد لا يعطون هذه النقطة ما تستأهل من اهتمام نظرا لكونهم في انشغال دائم أو أنهم استوعبوا المادة بعد سنوات من تقديمها، إلا أنّ إعداد الدّرس لا مهرب منه مهما كان مستوى المعلم ومهما كانت درجة تمكنه منها. والإعداد هو ضبط الأهداف الإجرائية ووسائل تحقيقها ووقت ذلك وشروطه وكل الإعدادات المادية المرتبطة بعملية التعليم. ولقد تعلمت مثلا فرنسيا جميلا يقول : الوحيدون الذين لا يحققون أهدافا أبدا هُم أولئك الذين لا يحددون أهدافا !

❽ النّصيحة الثامنة: الأدوار.

دور المعلم والأستاذ تغيّر في زماننا، ولم يعد هو مصدر المعلومة بل صار موجها. لها ومحفزا. على المعلّم والأستاذ والمدرّب أن يدركوا أن مجتمع المعرفة الْيَوْم لم يعد فيه مجال لأن يكون المدرّس هو مصدرا للمعلومة وملقّنا لها. لقد كان ذلك فيما مضى من الزّمان. الْيَوْم، دور المعلّم هو التوجيه والتحفيز والتنشيط والتحبيب للمادة عبر الاستخدام الأمثل للوسائل التعليمية. هذا يتطلب أن تتهيأ المراكز التعليمية والمدارس والمؤسسات المعنية بتطوير مستمر لسياستها التدريبية والتأهيلية لفائدة أهل التعليم. ويكون ذلك عن طريق برمجة الدورات التدريبية والتأهيلية وتوفير  المكتبة التعليمية ووسائل التلعيب المتنوعة، بكميات مناسبة وفق مخطط تعليمي محكم، وذكاء جماعي تشاركي فعال، واجتناب ترك المعلمين يصارعون التحديات بمفردهم، ثم محاسبتهم بعد ذلك على النتائج الضعيفة.

❾ النّصيحة التاسعة: المحبّة والمودّة.

التعليم لا يكون إلا بالمحبّة والمودّة، فمكن كان قلبه خاليا من محبّة متعلّميه، فلا ينتظر نتائج حسنة. وذلك أنّ العلاقة بين المعلّم والمتعلّم هي علاقة نفسيّة مركّبة وتحتمل قدرا عظيماً من حبّ العطاء والبذل والفهم والاستيعاب للبيئة والوجود والمستقبل، كما تتضمن العلاقة رؤية للمستقبل واستنهاض الهمم وغرس الشيم.

والمعلِّم لا يعلّم معلومات أو مهارات فحسب، بل يعلّم ذاته ونمط وجوده ويعيد إنتاج مجتمعه بشكل صامت. نحن لا نُعلِّم ما نعلم ولكن نُعلِّم ما نحن عليه من ثقافة ونمط تفكير بكل ما يحمل ذلك من محاسن ومساوئ، لذلك فالمعلم والأستاذ لا يمكنهما بناء علاقة عداء مع المتعلمين بل العلاقة الوحيدة الممكنة هي علاقة المحبة والرحمة والشفقة والتفهّم.

ولعلّه لأجل ذلك كان ينبغي أن يكون المعلّمون في مركز الاهتمام الرسمي والشعبي، ماديا وأدبيا، نظرا لخطورة أدوارهم في رسم ملامح الأجيال القادمة. وأضيف نقطة ههنا في مقابل المحبة، أي التأديب وما يتعلق بها من أصناف العقوبات البدنية والنفسية: لقد كان الإفراط في القسوة في زمن ولى، واليوم صار الأمر إلى ضرب من الإفراط في اللين. على أنّ القسوة – أكانت على الجسد أم على النفس- لا تصنع إلا أجيالا ذليلة وجبانة ومنافقة، حتى لو أنتج الأسلوب المتشدّد – في ظاهره – نجاحا في التلقين. وليس المقابل للقسوة والقهر هو التسيب والعجز، بل المقابل هو اللين مع الحزم والفذاذة، والوسط اعتدال جُبل عليه الناس، لأنه لا يمكن بناء إنسان بسطوة القهر ولا بسيبة الإهمال.

❿ النّصيحة العاشرة: الابتكار التعليمي والجودة واستشراف المستقبل

التعليم في العالم صناعة ومعايير ونظم وأطر. وهذا يستوجب التحيين الدّائم للمعلومات واستمثال التغييرات واستكمال التدريبات الضرورية لمعرفة المعايير العالمية المتجددة فيما يتعلق بالتعليم. فالمجتمعات البشرية تتغير أوضاعها وتتقلّب ويستدعي ذلك البحث المستمر في العلاجات الناجعة التي تتيح للمتعلمين تفعيل أكبر قدر ممكن من طاقاتهم من أجل هضم المعلومات وفهم الظواهر، والتأقلم مع المتغيرات. وكثير من المجتمعات تتخلف عن الركب لا لكونها لا تصل إلى تلك المعلومات، بل لأن معلّميها وأساتذتها ومدرّسيها يعيشون في بيئة متكلّسة ومتحجّرة ومقاومة للتغيير، فتجد الجيل الجديد يستبطن رفض بضاعة الجيل القديم وتنتقل العلاقة من علاقة تمرير رسالة في الحياة إلى علاقة تناحر وخصام ورفض وتمرّد على الموجود. وهذا يتطلب معرفة المعايير والطرق والأساليب الضرورية للتأقلم مع المتغيرات دون فقدان التعليم لجوهره وهو : إعداد النشء للحياة.

بقلم |  بشير العبيدي آخر تحديث 04-2023 م | محرم 1443 هـ

كم كان مفيدا لك هذا المنشور؟

أنقر على النجمة لوضع التقييم

معدل التقييم 2 / 5. عدد التقييمات: 1

لا توجد تقييمات! كن أول من يعطي تقييمه

مرحبا بكم 👋

سعداء بالتواصل معكم!

لكي تصلكم نشرتنا بانتظام، وفيها جديد منصة المتمّم، يمكنكم الاشتراك بإدراج بريدكم الإلكتروني. شكرًا على اهتمامكم.

(تم تفعيل هذه الخدمة قبل سويعات، إن لم تعمل يرجى المحاولة مجددا بعد 24 ساعة)

We don’t spam! Read our privacy policy for more info

اترك تعليقاً